فاتح بلاد ما وراء النهر
قبره يقع في منطقة تسمى (جَلا قودوق) أي: بئر جلا، يقع حوالي 30 كم إلى الجنوب
الشرقي من أنديجان، وأنديجان مدينة عريقة في وادي فرغانة حالياً في دولة أوزبكستان.
الكثير من أهالي أنديجان
لا يعلمون بوجود ضريحه هنا، وأهالي هذه المنطقة المحليين يسموه "قبر الصحابي"،
ذلك أن الشيوعية زرعت في عقول جيل ما بعد الاحتلال أن العرب كانوا غزاة، ولذلك تجد
أن أغلب المتاحف تصف فترة الإسلام الأولى بفترة الاحتلال والغزو العربي الإسلامي.
الضريح بشكله الحالي بني
في السبعينيات الميلادية، وله قصة طويلة أحكي طرفاً منها:
حيث كنت في زيارة
الموقع بشهر أغسطس من عام 2018م مع بعض طلبة العلم، وكانت معالم الطريق غير واضحة
ولا توجد بطبيعة الحال أي لوحات إرشادية حتى دخلنا في طريق غير ممهدة لبضع كيلو
مترات ووصلنا إلى موقع القبر عند قرية صغيرة زراعية جميلة وتوقفنا عند ترعة ماء غزيرة
صافية وعبرناها بالأقدام حتى وصلنا للضريح.
الضريح يقع في وسط
بستان جميل والمكان نظيف ومرتب وعلى جانبه بعد المقاعد التراثية حيث كان يجلس به
قليل من الزوار، زرنا القائد وسلمنا عليه وقرأنا القرآن والتقطنا الصور التذكارية،
وبعد قليل قدم إلينا أحد الرجال يرتدي جبّة طويلة وعرفنا بنفسه وهو إمام مسجد
في تلك القرية.
تعرفنا على بعضنا
البعض وتلكمنا معه، وأخبرنا أن القبر كان مهملاً ولم يكن معروفاً للكثير من أهالي
أوزبكستان حتى السبعينيات من القرن الماضي، وذلك بسبب تجاهل الاحتلال السوفيتي
لمثل هذه المزارات، لطمس الهوية الإسلامية ونشر الإلحاد، وحصل أن زار أحد علماء العالم الإسلامي مدينة طاشكند في تلك
الفترة لحضور إحدى المؤتمرات العلمية التي أقيمت من باب الدعاية للحكومة البلشفية، فطلب ذلك العالم من مفتي ما يسمى الجمهوريات
الإسلامية في الاتحاد السوفيتي أن يدله على المكان لزيارته، فلم يعرف ووقع في حرج
كبير.
بعد ذلك بدأ المفتي
بالبحث والسؤال عن موقع القبر عن طريق الأهالي المحليين، حتى وصلوا إليه وطلب
المفتي آنذاك من الحكومة المركزية السوفيتية السماح بإعادة ترميم وبناء القبر
لأهميته الرمزية لدى المسلمين في كل أنحاء العالم وتعذر لهم بأنه سيكون رمزاً
جيداً للدعاية بحسن تعامل الحكومة السوفيتية مع المسلمين في الدولة وشعاراً
للتسامح والتعايش يعكس صورة جميلة أمام العالم -وهو بطبيعة الحال عكس الواقع
المرير الذي كانت تعيشه منطقة تركستان في ذلك الوقت-.
طلبت من أحد الأصدقاء
أن يزودني بتحديد الموقع على خرائط جوجل، وعندما يرسل لي سأضيفه هنا فيما بعد
تسهيلاً لمن أراد الوصول إليه إن شاء الله..
طلب مني الدكتور الفاضل والداعية الكبير ذو الهمة العالية صالح السامرائي أن أكتب عن هذه التجربة والزيارة وإضافة الصور، وقال: "لو كنت معك لقبّلت الأرض التي وطئتها أقدام أشراف الرجال الصحابة
المكرمين ومن تبعهم بإحسان. أمر على الديار ديار ليلى.. أقبل ذا الجدار وذا الجدارا،
وما حب الديار شغفن قلبي.. ولكن حب من سكن الديارا، لقد عرفتنا بمنزل من قضينا عمرنا
ونحن نحبه فاتح الشرق قتيبة بن مسلم الباهلي لهذا أسميت أكبر أبنائي قتيبة".
فقمت به استجابة لطلبه وله الفضل حفظه الله.
منصور بخاري
المدينة المنورة
 |
ضريح قتيبة بن مسلم رحمه الله |