السبت، 10 ديسمبر 2016

رأي الإمام سعيد النُّوْرسي في المولد النبوي

     إن قراءة المولد النبوي وقصيدة المعراج عادة إسلامية مستحسنة، ونافعة جدًا، بل هي مدار مجالسة ومؤانسة لطيفة في الحياة الاجتماعية الإسلامية. وهي درس في غاية اللذة والطيب للتذكير بالحقائق الإيمانية. وهي أقوى وسيلة مؤثرة ومهيجة؛ لإظهار أنوار الإيمان، وتحريك محبة الله، وعشق الرسول صلى الله عليه وسلم، نسأل الله أن يديم هذه العادة الى الأبد.

     إنه لما كان خالق هذا الكون، يخلق من كل نوع فردًا ممتازًا كاملًا جامعًا، ويجعله مناط فخر وكمال ذلك النوع، فلاشك أنه يخلق فرداً ممتازًا وكاملًا بالنسبة للكائنات قاطبة وذلك بتجلي الاسم الأعظم من أسمائه الحسنى. وسيكون في مصنوعاته فردًا أكمل كالاسم الأعظم في أسمائه. فيجمع كمالاته المنتشرة في الكائنات في ذلك الفرد الأكمل، ويجعله محط نظره.

     ولاريب أن ذلك الفرد سيكون من ذوي الحياة، لأن أكمل أنواع الكائنات هم ذوو الحياة، ويكون من ذوي الشعور، لأن أكمل أنواع ذوي الحياة هم ذوو الشعور، وسيكون ذلك الفرد الفريد من الإنسان، لأن الإنسان هو المؤهل لما لا يحد من الرقي. وسيكون ذلك الفرد حتمًا محمدًا الأمين صلى الله عليه وسلم، لأنه لم يظهر أحد في التاريخ كله مثله منذ زمن آدم عليه السلام وإلى الآن، ولن يظهر.

     لأن ذلك النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قد ضم نصف الكرة الأرضية وخمس البشرية ضمن سلطانه المعنوي وحاكميته التي دامت ألفًا وثلاثمائة وخمسين عامًا بكمال هيبتها وعظمتها. وأصبح أستاذًا لجميع أهل الكمال في جميع أنواع الحقائق، ونال أرقى المراتب في السجايا الحميدة باتفاق الأصدقاء والأعداء، وتحدى العالم أجمع وحده في أول أمره وأظهر القرآن الكريم الذي يتلوه أـكثر من مائة مليون من الناس في كل دقيقة..

     فلابد أن نبيًا كريمًا كهذا النبي صلى الله عليه وسلم هو ذلك الفرد الفريد لا أحد غيره أبدًا. فهو نواة هذا العالم وثمرته. عليه وعلى آله وأصحابه الصلاة والسلام بعدد أنواع الكائنات وموجوداتها.


     واعلم أن الاستماع إلى المولد النبوي ومعراجه صلى الله عليه وسلم أي الاستماع إلى مبدأ رقيه ومنتهاه. أي معرفة تاريخ حياته المعنوية.. لذيذ، ونوراني، ومبعث فخر لأمته واعتزاز لهم، ومسامرة علوية رفيعة للمؤمنين الذين اتخذوه رئيسًا وسيدًا وإمامًا وشفيعًا لهم.

(الكلمة الرابعة والعشرون ص 396)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق