الجمعة، 22 يناير 2016

الشيخ القارئ المجود محمَّد صديق بن محمَّد حسين بن محمَّد صديق الميمني

   ولد في المدينة المنورة عام 1357هـ، تعلم القراءة منذ صغره على يد والده، وحفظ عنده ربعاً من القرآن الكريم، وبالتحديد إلى سورة "يس"، ثم ألحقه والده بمدرسة العلوم الشرعية، ودرس فيها المرحلة الابتدائية، وتخرج منها عام 1367هـ، وخلالها حفظ القرآن الكريم كاملاً، وكان عمره عندما ختم حفظ القرآن الكريم ثمان سنوات، ثم واصل دراسته في المدرسة نفسها في القسم العالي، وظل يدرس في هذه المرحلة لمدة أربعة سنوات، درس خلالها الصحاح الستة، والتفسير واللغة العربية والعروض والقوافي، والفقه الحنفي وأصوله، وغيرها من العلوم المفيدة، وتخرج عام 1371هـ، ثم درس المرحلة الثانوية في ثانوية طيبة، وتخرج منها، عين مديراً لمدرسة أُبيّ بن كعب لتحفيظ القرآن الكريم بمراحلها الثلاثة، وكان المتخرج من المرحلة الثانوية فيها يكون قد أتم حفظ كتاب الله العزيز.
كما أنه كان حكماً لعدة سنوات في مسابقة القرآن الكريم التي تعقد بمكة المكرمة كل عام وكان يرأس المسابقة العلامة خادم العلم بالحرم المكي الشريف السيد محمد بن علوي المالكي رحمه الله، كذلك قام الشيخ محمد صديق برئاسة وتحكيم كثير من مسابقات حفظ وتجويد وترتيل القرآن الكريم في كل من إندونيسيا وماليزيا وتركيا وليبيا وغيرها من الدول الاسلامية.
   
   كان رحمه الله ذا صوت شجي ومؤثر سواء عند قراءته لكتاب الله، أو عند مدحه للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم في مجالس السيرة النبوية المنضبطة بقواعد الشرع، وكانت هذه المجالس تحفل في انعقادها بين الحين والآخر بحفظة كتاب الله ومنهم المشايخ حسن الشاعر(شيخ القراء)، وعبدالستار بخاري (شيخ مؤذني الحرم النبوي)، ومحمد شقرون، ومحمد علي خيمي، وإبراهيم ولي، وعلاء الدين البكري، ومحمد علي النجار، ومحمد عبدالقادر ملّا (إمام مسجد قباء)، وهاشم شقرون، وسليمان حجازي، وماجد عسيلان، والشيخ صالح حلواني، والشيخ أبو جميل، ومحمد حسين رمزي والد الشيخ محمد صديق الميمني.

   ومن قبل كان رجال آخرون في هذا المضمار الهام من الحياة العلمية في المدينة من أمثال الشيخ يوسف باشلي الذي كان مجلسه من أشهر مجالس السيرة النبوية في طيبة الطيبة. ثم انتقل الى حلقة أو كتّاب الشيخ توفيق والد معالي الاستاذ محمد عمر توفيق الذي يعتبر أبرز خريجي مدرسة العلوم الشرعية من شعبة القرآن الكريم عام 1349هـ، كما أن الشيخ صديق تلقى شيئاً من علوم القرآن على يد الشيخ الحافظ لكتاب الله “محمد علي الحلبي” الذي كان يدير كتّاباً في الجزء الخلفي من مسجد مالك بن سنان والد الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما.

   عرف شيخنا الراحل الميمني بتجويد القرآن وحفظه، وقد ذكر الشيخ حليت مسلم (إمام مسجد قباء) رحمه الله، أن الراحل صديق ميمني كان أحفظ إنسان لكتاب الله في عصره وقد تواترت هذه الرواية عند الكثير، وكان الراحل يتدارس القرآن بعد مغرب كل يوم عند خوخة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع ثلة من الحفظة لكتاب الله ومن بينهم الشيخ محمد علي السمان، والمشايخ السيد علي كماخي، وعبدالحكيم عثمان، ومحمد علي كردي، وعلاء الدين البكري، ومحمد النجار، وإبراهيم الأخضر (شيخ القرّاء حاليأ في المدينة المنورة)، وحليت بن مسلم، وسليمان حجازي، والسيد أديب صقر، وماجد عسيلان، وأحمد عبدالحكيم عثمان، وحمزة عسيلان، وطاهر عبدالحكيم عثمان رحمهم الله وسواهم.

   وكان إذا حل شهر رمضان المبارك تنتشر بعض صلاة التراويح التي كان يؤم فيها عامة المسلمين في مسجد رسول الله صلى الله عليه كل من الشيخين الجليلين عبدالعزيز بن صالح، وعبدالمجيد حسن رحمهما الله حلقات أخرى لمدارسة القرآن وتجويده، فكان الشيخ هاشم شقرون يصلي بمجموعة من القراء عند باب المنارة الرئيسية للمسجد النبوي الشريف، كما كان الشيخ عباس قارئ البخاري يصلي بجماعة أخرى بالقرب من باب السلام، أما الشيخ صديق فكان يصلي بمجموعة من الحفاظ وبعضهم أكبر منه سناً مثل المشايخ: عباس قارئ، ومحمد النجار، وعلاء الدين البكري، ومحمد عبدالقادر ملا، وفضل الرحمن شيخ.

   وقد سئل الشيخ فضل الرحمن رحمه الله في أخريات حياته كيف كان يستقيم لهؤلاء الكبار سناً وعلماً ومعرفة بعلوم القرآن أن يصلوا خلف من يصغرهم سناً فأجاب: لم نجرب مطلقاً على صديق، خطأ في قراءة القرآن طوال الحقبة التي كنا نصلي فيها خلفه، وهذا يتفق مع رواية الشيخ حليت بن مسلم، وخصوصاً في شهر رمضان لحقبة طويلة من الزمن وكذلك رواية الشيخ محمد علي مراد.
ويعتبر صوته من أندى الأصوات التي سمعناها في حياتنا ويعرف ذلك من كانوا يصلون خلفه التراويح في شهر رمضان المبارك لمدة تزيد على ربع قرن من الزمن في مسجد سيدنا بلال بن رباح رضي الله عنه الذي بناه الشيخ المجود لكتاب الله حسين أبو العلا رحمه الله في حي قربان.

   وهناك جانب آخر في حياة الشيخ صديق وهو الاعتناء بالقصائد التي أبدعها بعض شعراء المدينة وأدباءها من أمثال: قصائد إبراهيم الأسكوبي المتوفى سنة 1332هـ -1913م، والشيخ محمد العمري الواسطي المتوفى سنة 1365هـ -1945م، وقصائد سعد الدين عبدالجليل برّادة رحمه الله التي يتشوق فيها للمدينة المنورة وهو في هذا يلتقي مع المادح والمنشد المعروف السيد حسين بن إدريس هاشم رحمه الله والذي كان يتمتع بحافظة قوية في هذا الجانب، فمديح المصطفى صلى الله عليه وسلم هو مما سنّه السلف للخلف وفي مقدمتهم سيدنا حسان بن ثابت رضي الله عنه والصحابيان الجليلان عبدالله بن رواحة وكعب بن مالك رضي الله عنهما وسواهم على مرّ العصور.
ولعل ممن اشتهر به في عصرنا فضيلة العلامة السيد محمد أمين الكتبي المكي رحمه الله وهو أحد اشهر علماء البلد الحرام في الحقبة الماضية.

   انتقل الشيخ محمد صديق الميمني إلى جوار ربه في رحلته السنوية إلى تركيا بتاريخ 7/5/ 1430هـ والعجيب أنه دفن إلى جوار قبر والدته السيدة صابرة قازنلي، التي كان باراً بها أشد البرّ.. وقبره رحمه الله على تلة تشرف على قبر الصحابي الجليل"أبي أيوب الأنصاري" رضي الله عنه ولطالما قام شيخنا محمد صديق بإقامة مجالس المديح المباركة في مسجد سيدنا أبي أيوب في إسطنبول بتركيا وتلك ميزة كبرى أن يدفن إلى جوار والدته الكريمة وكذلك قريبا من صحابي جليل ومسجد لطالما مدح النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بين جنباته بصوته الندي فهنيئا له بذلك كله.

   وقد تجرأت مرة وسألته يا مولانا لماذا لم تتزوج لتكون لك ذرية من بعدك؟ فقال لي: (لم أكن أريد أن أتزوج كي لا آتي بزوجة أخشى أن تغضب أمي في يوم من الأيام)،  فقد عاشت والدته السيدة صابرة إلى سنة 1991م والشيخ صديق تجاوز الخمسين من العمر وقتها، وقال لي كلمات لا أنساها: انتم أولادي وأنتم امتداد لهذا النهج المبارك في حفظ كتاب الله الكريم ومديح سيد الأنام صلى الله عليه وسلم.

   وقد فقدت البلدة الطاهرة ومثوى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وال بيته رضوان الله عنهم شخصية وهبها الله نعمة الخلق الحسن وبشاشة الوجه ورقة المشاعر، وتلك سمات يغبط عليها القوم الذين وفقهم الله لتمثلها في حياتهم وسلوكهم، وإننا لنسأل الله له ولموتى المسلمين عامة الرحمة والغفران وأن يخلف فيه الامة وبلد الطهر والإيمان خيراً.

   نعم إن الشيخ محمد صديق –حقاً– كان علامة مضيئة في تاريخ البلدة الطاهرة المنورة وواحداً من أبناءها البررة وأبرز الحفظة فيها.. رحمه الله وألحقه بحبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في الفردوس الأعلى من الجنة.. آمين.

سلسلة كبار القراء في العالم الإسلامي

    إعداد : عبدالفتاح كابلي
          المدينة المنورة 
16-1-2016م



الثلاثاء، 12 يناير 2016

سؤال عن حكم تقبيل الرجل زوجته ومحارمه عند القدوم من السفر أو الوداع في المطارات

سؤال:
ما حكم تقبيل الرجل زوجته أو أخته أو ابنته الكبيرة عند اللقاء في اﻷماكن العامة، أو عند العودة من السفر في المطارات ومحطات القطارات ونحوها؟
الجواب:

أولاً: أدلة جواز التقبيل عند القدوم من السفر على وجه "المحبة والشوق والسرور"
1.   ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قبّل بين عيني جعفر واعتنقه حين قدم من الحبشة.
2.   وما روي عنه صلى الله عليه وسلم: انه لما قدم زيد بن حارثة المدينة وقرع الباب قام إليه يجرّ ثوبه فاعتنقه وقبله.
3.   وما أخرجه ابن سعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل نعيم بن عبدالله النحام واعتنقه لما قدم المدينة مهاجراً.
4.   وما روي عنه: أن فاطمة رضي الله عنها كانت إذا دخلت عليه قام إليها قبلها وأجلسها في مجلسه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها.
5.   وما روي عن أسيد بن حضير: أنه اعتنق النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يقبل كشحه.
6.   وما روي عن أم الدرداء رضي الله عنها قالت: قدم علينا سلمان فقال: أين أخي؟ قلت: في المسجد، فأتاه فلما رآه اعتنقه.
7.   وما أخرجه الطحاوي عن الشعبي: أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا إذا التقوا تصافحوا وإذا قدموا من سفر تعانقوا.

ثانياً: مبحث في مسألة تقبيل المحارم عند فقهاء أهل السنة والجماعة من أصحاب المذاهب الأربعة:

عبارة الحنفية:
1.   ذكر الكاساني رحمه الله في بدائع الصنائع: (وَلِهَذَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِيمَا بين الناس بِتَقْبِيلِ أُمَّهَاتِهِمْ وَبَنَاتِهِمْ وقد رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كان إذَا قَدِمَ من الْغَزْوِ قَبَّلَ رَأْسَ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ رضي اللَّهُ عنها).
2.   وذكر ابن مازة البخاري في المحيط البرهاني: (وروى ابن رستم عن محمّد رحمهما الله: إذ قال: يقبّل المظاهر امرأته بغير شهوة إذا قدم من السفر كما يقبّل أمّه).
3.   وفي الدر المختار: (كما يُكْرَهُ تَقْبِيلُ الْمَرْأَةِ فَمَ أُخْرَى أو خَدَّهَا عِنْدَ اللِّقَاءِ أو الْوَدَاعِ كما في الْقُنْيَةِ مقدماً للقيل). وقال ابن عابدين في شرحه: وهذا لو عن شهوة.
4.   وفي الفتاوى الهندية: (وَلَوْ قَدِمَ شَيْخٌ من السَّفَرِ فَأَرَادَ أَنْ يُقَبِّلَ أُخْتَهُ وَهِيَ شَيْخَةٌ قال إنْ كان يَخَافُ على نَفْسِهِ لم يَجُزْ وَإِلَّا يَجُوزُ كَذَا رَوَى خَلَفٌ عن أبي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى).

عبارة الشافعية:
1.   ذكر النووي رحمه الله في المنهاج في كتاب الشهادة ومما يخل بالمروءة: (وَقُبْلَةُ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ بِحَضْرَةِ النَّاسِ).
وشرحها ابن حجر في التحفة بأن المقصود "قبلة في الفم" فقال:
(وقبلة زوجة أو أمة) في نحو فمها لا رأسها أو وضع يده على نحو صدرها ( بحضرة الناس) أو أجنبي يسقطها بخلافه بحضرة جواريه أو زوجاته وتوقف البلقيني في تقبيلها بحضرة الناس أو الأجنبيات ليلة جلائها ولا وجه في التوقف في ذلك؛ لأنه لا يفعله إلا من لا خلاق له كما في قوله.
وكذلك شرحها الرملي في النهاية بأن المقصود منها "قبلة في الفم".
وشرحها الخطيب في مغني المحتاج بقوله:
(وقبلة زوجة وأمة) له (بحضرة الناس) أو وضع يده على موضع الاستمتاع منها من صدر ونحوه، والمراد جنسهم ولو واحداً فلو عبر بحضرة أجنبي كان أولى. قال البلقيني: والمراد بالناس الذين يستحيي منهم في ذلك، والتقبيل الذي يستحيا من إظهاره، فلو قبل زوجته بحضرة جواريه، أو بحضرة زوجات له غيرها، فإن ذلك لا يعد من ترك المروءة. وأما تقبيل الرأس ونحوه فلا يخل بالمروءة. وأما تقبيل ابن عمر رضي الله عنهما أَمَته التي وقعت في سهمه بحضرة الناس فقال الزركشي كأنه تقبيل استحسان لا تمتع، أو فعله بيانا للجواز، أو ظن أنه ليس ثم من ينظره، أو على أن المرة الواحدة لا تضر على ما اقتضاه نص الشافعي.
2.   وفي التحفة لابن حجر: ويسن تقبيل قادم من سفر ومعانقته للاتباع الصحيح في جعفر رضي الله عنه، لما قدم من الحبشة.
3.   وفي نهاية المحتاج للرملي: ويندب تقبيل قادم من سفر ومعانقته.

عبارة الحنابلة:
ذكر المرداوي في الإنصاف في كتاب النكاح ووجوب المهر بالخلوة فقال: (حتى تَقْبِيلَهَا بِحَضْرَةِ الناس). وذكر أيضاً: وَقَالَهُ الْقَاضِي: في الخلوة إنْ كان ذلك عَادَتُهُ تَقَرَّرَ وَإِلَّا فَلَا، وقال ابن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ: إنْ كان مِمَّنْ يُقَبِّلُ أو يُعَانِقُ بِحَضْرَةِ الناس عَادَةً كانت خَلْوَةً منه وَإِلَّا فَلَا ا.هـ.

ثالثاً: تعريف المروءة
أذكر هنا تعريف الشافعية للمروءة لأنهم ذكروا مسألة التقبيل "بحضرة الناس" في فصل خوارم المروءة علماً بأن الشراح حصروها في "التقبيل في الفم" كما تقدم:
قال الخطيب: أحسن ما قيل في تفسيرها أنها تخلق للمرء بخلق أمثاله من أبناء عصره ممن يراعي مناهج الشرع وآدابه في زمانه ومكانه؛ لأن الأمور العرفية قلما تنضبط، بل تختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والبلدان، وهذا بخلاف العدالة، فإنها لا تختلف باختلاف الأشخاص، فإن الفسق يستوي فيه الشريف والوضيع، بخلاف المروءة فإنها تختلف، وقيل: المروءة التحرز عما يسخر منه ويضحك به، وقيل: هي أن يصون نفسه عن الأدناس، ولا يشينها عند الناس وقيل: غير ذلك.
وقال الإمام الماوردي في أدب الدنيا والدين بقوله: فالمروءة مراعاة الأحوال التي تكون على أفضلها حتى لا يظهر منها قبيح عن قصد٬ ولا يتوجه إليها ذم باستحقاق.اهـ
وحكى البيهقي في المعرفة عن ابن سريج: أن العدل من لا يكون تاركا للمروءة في غالب العادة وهو يقتضي اعتبار الإكثار في الجميع.اهـ
أي في جميع خوارم المروءة التي ذكروها في الباب.

رابعاً: حديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم"
1.   ذكره الملّا علي القاري في المرقاة نقلا عن الطيبي بدون تخريج في معرض شرحه لحديث: "إذا أحدث أحدكم في صلاته، فليأخذ بأنفه، ثم لينصرف".
2.   كما ذكره الزمخشري في الكشاف عند تفسير آية الأحزاب "إن الله وملائكته يصلون على النبي"، وقال: أما إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو، فمكروه، لأن ذلك صار شعاراً لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه يؤدي إلى الاتهام بالرفض ا.هـ ولم يخرجه.
3.   وذكره الإمام مالك في رسالته لهارون الرشيد بلفظ: (مَنْ كان يُؤْمِنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلا يَقِفْ مواقفَ التُّهَمِ).
4.   وجاء في المقاصد الحسنة للسخاوي 1133: "مَنْ سَلَكَ مَسَالِكَ التُّهَمِ اتُّهِمَ"، رواه الخرائطي في المكارم، من حديث عمر من قوله لكن بلفظ: من أقام نفسه مقام التهمة فلا يلومن من أساء الظن به، وقال: وقد ذكرت آثاراً من المعنى في تصنيفي في الظن.اهـ
والحديث ذكره العديد من العلماء وواضح أنه صحيح المعنى وله شواهد من عدة طرق.

خامساً: القاعدة الأصولية: (لا حجة مع الاحتمال الناشئ عن دليل) .
التوضيح:
كل حجة عارضها احتمال مستند إلى دليل يجعلها غير معتبرة، ولكن الاحتمال غير المستند إلى دليل فهو بمنزلة العدم. إذ لا عبرة بالاحتمال إذا لم يكن ناشئاً عن دليل، لأنه توهم، ولا عبرة بالتوهم. وهذا عند أبي حنيفة دون صاحبيه ودون الشافعي.

مثال ذلك:
لو أقر أحد لأحد ورثته بدين، فإن كان في مرض موته لا يصح ما لم يصدقه باقي الورثة، وذلك لأن احتمال كون المريض قصد بهذا الإقرار حرمان سائر الورثة مستندا إلى دليل كونه في المرض، وأما إذا كان الإقرار في حال الصحة جاز، واحتمال إرادة حرمان سائر الورثة حينئذ من حيث إنه احتمال مجرد ونوع من التوهم لا يمنع حجة الإقرار .

تطبيق القاعدة على مسألة بحثنا بالعودة للحديث المتقدم والاستدلال به:
"لا عبرة باحتمال وقوع "التهمة" لمن يقبّل محارمه في المطارات ومحطات القطار لأنها ليست مواطن تهمة "شهوة"، بل مواطن استقبال ووداع. فلا حجة لمن يستدل به هنا".
وقد تكون لهم حجة لمن يقبل في الأماكن العامة الأخرى كالشوارع والحدائق والأسواق استدلالاً بالحديث المتقدم وحديث: "إنها صفية".

سادساً: الخلاصة
1.   لا بأس بتقبيل الأم والأخت والمحارم والزوجة (من غير الفم) عند القدوم من السفر أو الوداع في المطارات ومحطات القطار في الأماكن التي تغلب عليها مظنة الاستقبال والوداع دون الشوارع والحدائق والأسواق (المولات).
2.   لا حجة لمن يستدل بحديث "لا يقفن مواقف التهم"، خاصة في المطارات ومحطات القطار.
3.   وقد يكون من الجفاء أن يستقبل الولد أمه في صالات المطار أو يودعها دون أن يقبلها؛ خشية التهمة!
4.   الشوارع والحدائق والأسواق ليست مظنة للاستقبال أو الوداع، لذا يلزم تجنب التقبيل "في الخد" للمحارم.
5.   تجنب تقبيل الزوجة "في الفم" مطلقاً في الأماكن العامة، لأنها ليست من الآداب والسلوكيات والأعراف العامة.
والله أعلم،،
""سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم""
كتبه الفقير إلى عفو ربه: منصور بخاري
المدينة المنورة
ربيع الثاني 1437هـ