ولد في المدينة المنورة عام 1357هـ، تعلم القراءة منذ صغره على يد والده، وحفظ عنده ربعاً من القرآن الكريم، وبالتحديد إلى سورة "يس"، ثم ألحقه والده بمدرسة العلوم الشرعية، ودرس فيها المرحلة الابتدائية، وتخرج منها عام 1367هـ، وخلالها حفظ القرآن الكريم كاملاً، وكان عمره عندما ختم حفظ القرآن الكريم ثمان سنوات، ثم واصل دراسته في المدرسة نفسها في القسم العالي، وظل يدرس في هذه المرحلة لمدة أربعة سنوات، درس خلالها الصحاح الستة، والتفسير واللغة العربية والعروض والقوافي، والفقه الحنفي وأصوله، وغيرها من العلوم المفيدة، وتخرج عام 1371هـ، ثم درس المرحلة الثانوية في ثانوية طيبة، وتخرج منها، عين مديراً لمدرسة أُبيّ بن كعب لتحفيظ القرآن الكريم بمراحلها الثلاثة، وكان المتخرج من المرحلة الثانوية فيها يكون قد أتم حفظ كتاب الله العزيز.
كما أنه كان حكماً لعدة سنوات في مسابقة القرآن الكريم التي تعقد بمكة المكرمة كل عام وكان يرأس المسابقة العلامة خادم العلم بالحرم المكي الشريف السيد محمد بن علوي المالكي رحمه الله، كذلك قام الشيخ محمد صديق برئاسة وتحكيم كثير من مسابقات حفظ وتجويد وترتيل القرآن الكريم في كل من إندونيسيا وماليزيا وتركيا وليبيا وغيرها من الدول الاسلامية.
كان رحمه الله ذا صوت شجي ومؤثر سواء عند قراءته لكتاب الله، أو عند مدحه للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم في مجالس السيرة النبوية المنضبطة بقواعد الشرع، وكانت هذه المجالس تحفل في انعقادها بين الحين والآخر بحفظة كتاب الله ومنهم المشايخ حسن الشاعر(شيخ القراء)، وعبدالستار بخاري (شيخ مؤذني الحرم النبوي)، ومحمد شقرون، ومحمد علي خيمي، وإبراهيم ولي، وعلاء الدين البكري، ومحمد علي النجار، ومحمد عبدالقادر ملّا (إمام مسجد قباء)، وهاشم شقرون، وسليمان حجازي، وماجد عسيلان، والشيخ صالح حلواني، والشيخ أبو جميل، ومحمد حسين رمزي والد الشيخ محمد صديق الميمني.
ومن قبل كان رجال آخرون في هذا المضمار الهام من الحياة العلمية في المدينة من أمثال الشيخ يوسف باشلي الذي كان مجلسه من أشهر مجالس السيرة النبوية في طيبة الطيبة. ثم انتقل الى حلقة أو كتّاب الشيخ توفيق والد معالي الاستاذ محمد عمر توفيق الذي يعتبر أبرز خريجي مدرسة العلوم الشرعية من شعبة القرآن الكريم عام 1349هـ، كما أن الشيخ صديق تلقى شيئاً من علوم القرآن على يد الشيخ الحافظ لكتاب الله “محمد علي الحلبي” الذي كان يدير كتّاباً في الجزء الخلفي من مسجد مالك بن سنان والد الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما.
عرف شيخنا الراحل الميمني بتجويد القرآن وحفظه، وقد ذكر الشيخ حليت مسلم (إمام مسجد قباء) رحمه الله، أن الراحل صديق ميمني كان أحفظ إنسان لكتاب الله في عصره وقد تواترت هذه الرواية عند الكثير، وكان الراحل يتدارس القرآن بعد مغرب كل يوم عند خوخة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع ثلة من الحفظة لكتاب الله ومن بينهم الشيخ محمد علي السمان، والمشايخ السيد علي كماخي، وعبدالحكيم عثمان، ومحمد علي كردي، وعلاء الدين البكري، ومحمد النجار، وإبراهيم الأخضر (شيخ القرّاء حاليأ في المدينة المنورة)، وحليت بن مسلم، وسليمان حجازي، والسيد أديب صقر، وماجد عسيلان، وأحمد عبدالحكيم عثمان، وحمزة عسيلان، وطاهر عبدالحكيم عثمان رحمهم الله وسواهم.
وكان إذا حل شهر رمضان المبارك تنتشر بعض صلاة التراويح التي كان يؤم فيها عامة المسلمين في مسجد رسول الله صلى الله عليه كل من الشيخين الجليلين عبدالعزيز بن صالح، وعبدالمجيد حسن رحمهما الله حلقات أخرى لمدارسة القرآن وتجويده، فكان الشيخ هاشم شقرون يصلي بمجموعة من القراء عند باب المنارة الرئيسية للمسجد النبوي الشريف، كما كان الشيخ عباس قارئ البخاري يصلي بجماعة أخرى بالقرب من باب السلام، أما الشيخ صديق فكان يصلي بمجموعة من الحفاظ وبعضهم أكبر منه سناً مثل المشايخ: عباس قارئ، ومحمد النجار، وعلاء الدين البكري، ومحمد عبدالقادر ملا، وفضل الرحمن شيخ.
وقد سئل الشيخ فضل الرحمن رحمه الله في أخريات حياته كيف كان يستقيم لهؤلاء الكبار سناً وعلماً ومعرفة بعلوم القرآن أن يصلوا خلف من يصغرهم سناً فأجاب: لم نجرب مطلقاً على صديق، خطأ في قراءة القرآن طوال الحقبة التي كنا نصلي فيها خلفه، وهذا يتفق مع رواية الشيخ حليت بن مسلم، وخصوصاً في شهر رمضان لحقبة طويلة من الزمن وكذلك رواية الشيخ محمد علي مراد.
ويعتبر صوته من أندى الأصوات التي سمعناها في حياتنا ويعرف ذلك من كانوا يصلون خلفه التراويح في شهر رمضان المبارك لمدة تزيد على ربع قرن من الزمن في مسجد سيدنا بلال بن رباح رضي الله عنه الذي بناه الشيخ المجود لكتاب الله حسين أبو العلا رحمه الله في حي قربان.
وهناك جانب آخر في حياة الشيخ صديق وهو الاعتناء بالقصائد التي أبدعها بعض شعراء المدينة وأدباءها من أمثال: قصائد إبراهيم الأسكوبي المتوفى سنة 1332هـ -1913م، والشيخ محمد العمري الواسطي المتوفى سنة 1365هـ -1945م، وقصائد سعد الدين عبدالجليل برّادة رحمه الله التي يتشوق فيها للمدينة المنورة وهو في هذا يلتقي مع المادح والمنشد المعروف السيد حسين بن إدريس هاشم رحمه الله والذي كان يتمتع بحافظة قوية في هذا الجانب، فمديح المصطفى صلى الله عليه وسلم هو مما سنّه السلف للخلف وفي مقدمتهم سيدنا حسان بن ثابت رضي الله عنه والصحابيان الجليلان عبدالله بن رواحة وكعب بن مالك رضي الله عنهما وسواهم على مرّ العصور.
ولعل ممن اشتهر به في عصرنا فضيلة العلامة السيد محمد أمين الكتبي المكي رحمه الله وهو أحد اشهر علماء البلد الحرام في الحقبة الماضية.
انتقل الشيخ محمد صديق الميمني إلى جوار ربه في رحلته السنوية إلى تركيا بتاريخ 7/5/ 1430هـ والعجيب أنه دفن إلى جوار قبر والدته السيدة صابرة قازنلي، التي كان باراً بها أشد البرّ.. وقبره رحمه الله على تلة تشرف على قبر الصحابي الجليل"أبي أيوب الأنصاري" رضي الله عنه ولطالما قام شيخنا محمد صديق بإقامة مجالس المديح المباركة في مسجد سيدنا أبي أيوب في إسطنبول بتركيا وتلك ميزة كبرى أن يدفن إلى جوار والدته الكريمة وكذلك قريبا من صحابي جليل ومسجد لطالما مدح النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بين جنباته بصوته الندي فهنيئا له بذلك كله.
وقد تجرأت مرة وسألته يا مولانا لماذا لم تتزوج لتكون لك ذرية من بعدك؟ فقال لي: (لم أكن أريد أن أتزوج كي لا آتي بزوجة أخشى أن تغضب أمي في يوم من الأيام)، فقد عاشت والدته السيدة صابرة إلى سنة 1991م والشيخ صديق تجاوز الخمسين من العمر وقتها، وقال لي كلمات لا أنساها: انتم أولادي وأنتم امتداد لهذا النهج المبارك في حفظ كتاب الله الكريم ومديح سيد الأنام صلى الله عليه وسلم.
وقد فقدت البلدة الطاهرة ومثوى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وال بيته رضوان الله عنهم شخصية وهبها الله نعمة الخلق الحسن وبشاشة الوجه ورقة المشاعر، وتلك سمات يغبط عليها القوم الذين وفقهم الله لتمثلها في حياتهم وسلوكهم، وإننا لنسأل الله له ولموتى المسلمين عامة الرحمة والغفران وأن يخلف فيه الامة وبلد الطهر والإيمان خيراً.
نعم إن الشيخ محمد صديق –حقاً– كان علامة مضيئة في تاريخ البلدة الطاهرة المنورة وواحداً من أبناءها البررة وأبرز الحفظة فيها.. رحمه الله وألحقه بحبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في الفردوس الأعلى من الجنة.. آمين.
سلسلة كبار القراء في العالم الإسلامي
إعداد : عبدالفتاح كابلي
المدينة المنورة
16-1-2016م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق