الأحد، 25 أكتوبر 2015

قدر "الهجرة" يلاحق الشعوب التركستانية بداية كل قرن جديد

       في بداية القرن العشرين وبالتحديد بعد الثورة البلشفية عام 1917م حصلت هجرة كبيرة للتركستانيين الأوزبك فاستوطنوا الكثير من المناطق كالهند وشمال أفغانستان والحجاز وتركيا وألمانيا وغيرها ثم تبعتها هجرة كبيرة أخرى للتركستانيين الأويغور بعد انهيار الحكومة الإسلامية بكاشغر عام 1934م إلى نفس البلدان المذكورة وتزامنت أيضاً مع هجرات التتار التركستانيين إلى اليابان وفنلندا وغيرها.

ثم بعد دخول الاتحاد السوفيتي إلى أفغانستان في نهاية القرن العشرين في الثمانينيات الميلادية اضطر الكثير من أبناء المهاجرين التركستانيين إلى هجرة أخرى من شمال أفغانستان إلى مناطق أخرى وبالتحديد إلى المملكة العربية السعودية.

ومع بداية القرن الحالي بدأت هجرة جديدة للتركستانيين الأوزبك من الدول المستقلة عن الاتحاد السوفيتي وخاصة إلى تركيا بسبب الأحوال السياسية والاقتصادية. كما أن استمرار احتلال الصين الشيوعية لإقليم تركستان الشرقية وتماديها في الظلم والاضطهاد لشعب الأويغور وخاصة خلال العشر سنوات الأخيرة وبعد أحداث أورومجي 2009م اضطرت الكثير منهم للهجرة إلى تركيا وبعض الدول الأوروبية وأمريكا.

ففي إسطنبول حاليا يوجد عشرات الآلاف المهاجرين الأوزبك وتتزايد أعدادهم يوما بعد يوم. أحد المهاجرين في حي "آلتون شهير" بمنطقة "بشاق شهير" بشمال غرب مدينة إسطنبول يذكر أن عدد العوائل الأوزبك في عام 2013م في هذا الحي كان لا يتجاوز المئات وأصبح حاليا أكثر من ألفي عائلة عام 2015م. علماً بأن هجرة الأوزبك اشتدت بالتحديد من بعد عام 2010م وتزداد كل سنة أكثر من قبلها.

ويذكر أن الأحوال المادية للكثير من الأسر غير مستقرة فبعض الأسر ليس لها عائل إما لوفاته أو لوجوده بالسجون في بلدهم الأصل، بالإضافة إلى أنهم يعانون من عدم وجود وثائق نظامية (إقامة) لهم ولأولادهم. الأمر الذي يعقد من مواصلة التعليم لأولادهم في المدارس الحكومية أو الاستمرار في الدراسة الجامعية.

لذا بدأت بعض الجمعيات الخيرية الأوزبكية بمساعدة بعض الميسورين من التجار الأوزبك بتسجيل العوائل وإيصال المعونات الإنسانية لهم، فجمعية "Uluslararasi Turkistalilar Dayanisma Dernegi" يبلغ عدد العوائل المسجلين بها أكثر من 3000 آلاف عائلة، قامت الجمعية بجهود لاستخراج نحو 1200 إقامة نظامية وتسجيل نحو 110 طالب بالجامعات التركية مؤخراً ومازال عدد كبير منهم لم يحصلوا على الإقامة.

وقامت جمعية أوزبكية أخرى اسمها جمعية آسيا الوسطى للتربية والثقافة Orta Asya Egitim Ve Kultur Dernegi”" برئاسة الشيخ "طاهر عبدالله" بالاهتمام بتعليم أولاد المهاجرين، ولها حاليا مدرستان مرخصتان من الحكومة التركية إحداها في الطرف الأوروبي من إسطنبول والأخرى في الطرف الآسيوي حيث تقوم بتدريس القرآن الكريم وتحفيظه والفقه الحنفي واللغة العربية والتركية والحساب، ويبلغ عدد الطلاب والطالبات فيهما سوية أكثر من 335 طالب وطالبة من سن (6-15سنة)، أما الكبار فيحضروا في حلقات تدريس مسائية في أحد مساجد حي "كايا شهير"، ويوجد الكثير من أولاد المهاجرين غيرهم لكن يصعب عليهم الالتحاق بسبب المواصلات وغيرها من الأمور النظامية. علماً أن التدريس فيها مجاني بمساعدة المحسنين.

وقد قامت هذه الجمعية مؤخرا بشراء أرض فضاء كبيرة نحو 20 دونم في مدينة يالاوا جنوب إسطنبول لبناء مدرسة داخلية كبيرة عليها بدلا من تحمل أسعار إيجارات إسطنبول المرتفعة. وهي تخطط حالياً لجمع التبرعات أو إنشاء أوقاف تساعد مستقبلا في استكمال بناءها.

أما بالنسبة للمهاجرين التركستانيين الأويغور فهم أكثر عدداً وحسب إحصائية جمعية معاريف تركستان الشرقية "Maarip Association Eastern Turkistan" فيبلغ عددهم حوالي 300000 ثلاثمائة ألف مهاجر، ويظهر ذلك جلياً في العديد من أحياء إسطنبول وخاصة منطقة "زيتون بورنو" التي تعد مركزاً حيوياً لهم حيث يوجد بها عدداً من مقر جمعياتهم ومطاعمهم ومحلاتهم التجارية وفنادقهم ومكتباتهم. وهم أكثر تنظيماً من الأوزبك ولديهم العديد من مراكز المعلومات والأبحاث.

وجمعية معاريف برئاسة "هداية أوغوزخان" مقرها في منطقة فاتح ولها أنشطة سياسية وعلمية واجتماعية وثقافية وتصدر منشورات ودوريات وتهتم حالياً بطبع كامل تفسير القرآن الكريم للشيخ ظريف قارئ (توفي رحمه الله سنة 1377هـ بمدينة غولجا بتركستان الشرقية)، الذي كتبه باللغة الأويغورية بعد أن حصلوا على المخطوط النادر بصعوبة ويقوم حوالي 3 ثلاثة من طلبة العلم بإعادة صفه ولكن بالحروف الأويغورية الجديدة والعمل في أواخر مراحله تمم الله لهم على خير، علماً بأن الجزء 30 الثلاثين (جزء عمّ) كان هو الجزء المطبوع الوحيد سابقاً، وترجمة المؤلف موجودة في كتابي "علماء ما وراء النهر المهاجرين للحرمين".

والاضطهاد والظلم الصيني لم يقتصر على شعب الأويغور فقط، بل إنه تعدى إلى شعب القازاق الذي يسكن شمال إقليم تركستان الشرقية فاضطرتهم الظروف إلى الهجرة وخاصة إلى تركيا، ويوجد حالياً جمعية قازاقية اجتماعية ثقافية اسمها "Aurasia Kazak Social Culture Association" برئاسة "منصور تايجي" ومقرها في منطقة "باغشيلر" شمال غرب إسطنبول.

الشعوب التركستانية شعوب مسلمة مسالمة ذات حضارة وثقافة وتاريخ مجيد، وإذا قدر الله عليها هذا الهجرات فهي بحمد الله قادرة على الصمود والبقاء والتعايش والاندماج والإخلاص مع المجتمعات الأخرى في أي مكان، رحم الله الشهداء وفك أسر المساجين وأعان المهاجرين على أمور معاشهم، وصبرهم على ما كتبه عليهم، حتى يستمر أهل تركستان الشرقية في نضالهم وكفاحهم السلمي لتحرير بلادهم من الظالمين والمحتلين.
 منصور بخاري

أكتوبر 2015م

طلاب أوزبك في فصلهم الدراسي بإسطنبول أثناء تناول الوجبة المدرسية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق